Skip to main content
COVID-19 Prevention in Northwest Syria

كوفيد-19 يضيف مزيدًا من التعقيد إلى الوضع الكارثي في شمال غرب سوريا

الحرب في غزة: اطّلع على استجابتنا
اقرأ المزيد

كريستيان ريندرز، المنسّق الميداني لأنشطة أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا، يشرح في المقال أدناه تبعات الوضع الإنساني في إدلب في حال انتشار مرض كوفيد-19.

منذ وقت قصير، لم يكن مرض كوفيد-19 يتصدّر بعد العناوين الرئيسية في جميع أنحاء العالم. انشغلت نشرات الأخبار التلفزيونية آنذاك بتغطية مجموعة واسعة من المواضيع غير المرتبطة بتاتًا بأي جائحة. وسلّط أحد تلك الأخبار المتكرّرة الضوء على الوضع الإنساني في محافظة إدلب التي تقع شمال غرب سوريا.

دخلت الحرب السورية منذ بضعة أيام عامها العاشر، وفي خضمّها، تنال إدلب مؤخرًا النصيب الأكبر من الضرر. فتسبّب القصف اليومي بنزوح نحو مليون شخصٍ فروا من منازلهم في غضون أشهر قليلة فقط. كما أجبر القتال أكثر من 80 مستشفى على التوقف عن العمل منذ بداية العام. منذ وقت قصير، أمسى الوضع في إدلب يشكّل حالة طوارئ إنسانية. واليوم، ما زال الوضع على حاله؛ إلا أن جائحة كوفيد-19 أتت لتُضيف مزيدًا من التعقيد إلى وضعٍ كان كارثيًا بالأساس.

كريستيان ريندرز
كريستيان ريندرز، المنسّق الميداني لأنشطة أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا، خلال إحدى مهماته السابقة مع المنظمة في اليونان. مارس/آذار 2016
Alex Yallop/MSF

سجّلت سوريا الأسبوع الفائت أول حالة إصابة مؤكّدة بمرض كوفيد-19 على أراضيها. ومنذ ذلك الحين، ارتفع بشكل طفيف عدد الحالات ولكن من دون تسجيل أي حالة إيجابية بعد في شمال غرب سوريا. ومع ذلك، تأبى فرق منظمة أطباء بلا حدود الانتظار لحين حدوث ذلك، والسبب هو معرفتنا حق المعرفة بمدى الخطورة التي يشكّلها انتشار المرض في مكان كهذا.

في البلدان المتقدّمة، مثل إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة، نرى المستشفيات العامة على شفير الانهيار بسبب انتشار كوفيد-19. فكيف عسى نظام إدلب الصحي أن يتعامل مع هذا المرض؟ تضرّرت الرعاية الصحية في شمال غرب سوريا مرارًا جرّاء النزاع وقد سبق وبلغت الحدود القصوى من قدراتها قبل الإعلان عن تحوّل انتشار فيروس كورونا المستجدّ إلى جائحة.

وحتى قبل وصول كوفيد-19 إلى شمال غرب سوريا، يواجه الناس مرّ العيش وسط أسئلة لا أجوبة لها وخيارات مستحيلة. ففي الواقع، معظم التوصيات المُقدَّمة لضمان حماية السكان من الفيروس وإبطاء وتيرة انتشاره هي غير قابلة للتطبيق في إدلب.

كيف لنا أن نطلب من الناس ملازمة منازلهم لتفادي الإصابة بالعدوى؟ هل لديهم منازلَ أصلًا؟ نحن نتحدّث عن نحو مليون شخصٍ - على الأقل ثلث إجمالي سكان إدلب - يعيش معظمهم في خيم في المخيمات. الحقيقة هي أنّه لم يعد لدى هؤلاء منازل يلجؤون إليها.

ما يحدث في شمال غرب سوريا اليوم هو حالة طوارئ إنسانية. وستُضحي أي حالة طوارئ تطال الصحة العامة بكل سرعة كارثة حقيقة وسط هذه المأساة، ما لم يتم اعتماد أي تعبئة دولية فورية. كريستيان ريندرز، المنسّق الميداني لأنشطة أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا

عندما تظهر أعراض مرض كوفيد-19 على أحدهم، يُطلب منه عزل نفسه. أين تقع هذه المساحة التي قد تسمح الالتزام بالعزل في إدلب؟

ويُفترض بنا أن نطلب من الناس اتباع ممارسات النظافة الصحية السليمة، والمداومة على غسل اليدَين. كيف يراعي المرء الحد الأدنى من معايير النظافة الصحية الأساسية وهو يعيش بين الوحل؟

وعندما يُصاب أي شخص بأعراض خطيرة، يُنقل عادةً إلى المستشفى؛ ولكن ماذا يحصل عندما لا يتوفر سوى عدد قليل من المستشفيات؟ وعندما تكون هذه المستشفيات سبق وبلغت الحدود القصوى من قدراتها؟ وعندما تفتقر هذه المستشفيات نفسها إلى التجهيزات اللازمة للتعامل مع حالة طوارئ تطال الصحة العامة؟ إلى أين يلجأ المريض يا ترى في هذه الحالة؟

استعدادًا لانتشار محتمل لكوفيد-19، يواجه أفراد الطاقم الطبي في شمال غرب سوريا بدورهم أيضًا خيارات مستحيلة. هم بحاجة إلى تحديث أولوياتهم باستمرار للاختيار بين الحصول على التدريب والاستعداد في حال وصول الجائحة إلى إدلب، وبين التعامل مع التدفّق اللامتناهي للمرضى الذين يتوافدون وينتظرون العلاج.

يبذل الطاقم الطبي في إدلب قصارى جهده، بما تيسر له من وسائل. وأمام هذا المشهد، سأبقى دائمًا وأبدًا مبهورًا بقدرة هذا الطاقم الطبي على الاستمرار في الصمود بالرغم من جميع الصعوبات التي يواجهها، ومذهولًا بمرونته والتزامه بمواصلة العمل في ظل هذه الظروف المرهقة.

الوقاية من تفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 في شمال غرب سوريا
طبيب يقيس حرارة مريض في مدخل المستشفى الذي تدعمه أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا حيث يتم تحديد الأشخاص الذين تظهر عليهم عوارض كوفيد-19، ثم يوضعون تحت المراقبة وتنقلهم سيارة إسعاف للخضوع لفحص الكشف عن فيروس كورونا. مارس/آذار 2020
OMAR HAJ KADOUR/MSF

ويتعيّن على المنظّمات الإنسانية أيضًا أن تتّخذ قرارات مستحيلة وسط هذه الظروف. ما هي التدابير التي علينا تطبيقها لتفادي انتشار الفيروس؟ هل نوقف أنشطتنا في المخيمات لتفادي تجمّع الناس أمام عياداتنا المتنقلة أو خلال عمليات توزيع المواد الأساسية؟ هل نحن نحمي السكان حقيقيةً إذا أوقفنا أنشطتنا؟ أم أننا نحرمهم من الخدمات الأساسية بقيامنا بذلك، مُعرِّضين بالتالي صحتهم لخطر أكبر؟ لا يكف هذا النوع من المعضلات عن مواجهة عملنا باستمرار في الآونة الأخيرة.

قررنا في نهاية المطاف المواظبة على تقديم الخدمات. فنحن نعرف أن المساعدة التي نقدّمها، وإن لم تغطِ الاحتياجات كافة، هي مساعدة تغيث عشرات الآلاف من السكان في إدلب. ذلك لأن أكثر من 35 في المئة ممن نعاينهم في عياداتنا المتنقلة يعانون أصلًا من أشكال عدوى الجهاز التنفسي، وأي انتشار محتمل للفيروس سيؤدّي بكل سهولة إلى إصابة هؤلاء بالمضاعفات. إنّ الناس بحاجة إلى مساعدتنا ولا نريد أن نكفّ عن تقديمها. ولكننا نقوم من جهة أخرى بتكييف أنشطتنا ومحاولة التصرّف بمسؤولية في وجه الانتشار المحتمل لكوفيد-19.

هل نوقف أنشطتنا في المخيمات لتفادي تجمّع الناس أمام عياداتنا المتنقلة أو خلال عمليات توزيع المواد الأساسية؟ هل نحن نحمي السكان حقيقيةً إذا أوقفنا أنشطتنا؟ أم أننا نحرمهم من الخدمات الأساسية بقيامنا بذلك، مُعرِّضين بالتالي صحتهم لخطر أكبر؟ كريستيان ريندرز، المنسّق الميداني لأنشطة أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا

بدأنا في المخيمات بتطبيق تدابير التباعد الاجتماعي عند تقديم خدماتنا الاعتيادية. على سبيل المثال، عندما تفتح عيادتنا المتنقلة أبوابها، نسمح الآن فقط لمجموعات صغيرة من الأشخاص بالتجمّع حول شاحناتنا بينما ينتظرون دورهم للحصول على استشارة.

وأثناء توزيع المواد الأساسية، نطلب أيضًا من الحاضرين الحفاظ على مسافة معينة بين بعضهم البعض قدر الإمكان. وبهذه الطريقة، تستمر مساعدتنا للنازحين، ولكننا نقلّص أيضًا في الوقت نفسه مخاطر إصابتهم بالفيروس عند قدومهم للحصول على هذه المساعدة. ومما لا شكّ فيه أننا نرغب بالطبع بحماية فرقنا، ولذلك زوّدنا موظفينا بمعدات الوقاية حتى يتمكّنوا من مواصلة العمل في المخيمات.

نعمل كذلك على الاستعداد في المستشفيات. تؤدّي المرافق الطبية التي لا تزال قادرة على استقبال المرضى دورًا أساسيًا في تقديم الرعاية لسكان إدلب، ونحن بحاجة إلى التركيز على دعمها في إطار الاستعداد.

في غضون أيام قليلة، أنشأنا لجان نظافة صحية في ثلاثة مستشفيات مختلفة تتلقى الدعم من منظمة أطباء بلا حدود. قمنا أيضًا بإعداد أنظمة فرز جديدة للمرضى في هذه المرافق، لتحسين عملية تحديد حالات الإصابة المحتملة بمرض كوفيد-19 وعزلها. كما بدأنا إجراء دورات تدريبية في إدارة تدفق المرضى بالتنسيق مع السلطات الصحية المحلية ومنظمة الصحة العالمية.

توزيع مواد الإغاثة في إدلب في سوريا

نحاول القيام بكل ما في وسعنا، ولكن من الناحية العملية، ربما لن يكون ذلك كافياً إذا ثبت غدًا انتشار كوفيد-19 في إدلب. ما يحدث في شمال غرب سوريا اليوم هو حالة طوارئ إنسانية. وستُضحي أي حالة طوارئ تطال الصحة العامة بكل سرعة كارثة حقيقة وسط هذه المأساة، ما لم...

ما لم يتم اعتماد أي تعبئة دولية فورية. ما لم يتم إعطاء الطواقم الطبية والعاملين في المجال الإنساني الوسائل اللازمة للحدّ من المخاطر بشكل صحيح قبل وقوع الكارثة. ما لم يتم تزويد المستشفيات بالإمدادات والمعدات التي تحتاج إليها لمواجهة هذه الأزمة التي تنضمّ إلى سالفتها.

يستحيل أن تكتسي الاستجابة لهذا الوضع طابعًا طبيًا فقط. لا شك في أن الرعاية الصحية تعتبر أساسية بالطبع، ولكنها ليست الحاجة الوحيدة المطلوبة في إدلب. الناس بحاجة إلى الغذاء، وبحاجة إلى المأوى، وبحاجة إلى خدمات النظافة الصحية الأساسية. تحظى كل هذه العناصر بالقدر نفسه من الأهمية عند مواجهة خطر الجائحة.

يطرق كوفيد-19 أبواب العالم أجمع. سواء من هم في سوريا أو في إيطاليا. إنها محنة مظلمة ألقت بظلالها علينا جميعنا من دون استثناء، من دون التمييز بين لون البشرة أو الجنسية. ومثلما لا يعرف تفشي الفيروس حدودًا، لعل وعسى أن يحذو التضامن حذوه، متخطيًا كل الحدود.

المقال التالي
مرض الكورونا كوفيد-19
تحديث حول مشروع 23 سبتمبر/أيلول 2020