فقد ترك نحو 1.5 مليون شخص بيوتهم ونزحوا إلى مناطق أخرى داخل البلاد أو التجؤوا إلى البلدان المجاورة عقب تجدد القتال في البلاد، ليكون هذا أكبر عددٍ من الناس ينزح منذ الذروة التي شهدها النزاع في عامي 2013 و2014. كما فرض العنف المنتشر على نطاق واسع ضغوطاً على النظام الصحي الهش، ممّا زاد من المصاعب التي يواجهها المصابون بالأمراض المزمنة وأولئك الذين هم بحاجةٍ إلى رعاية تخصصية.
وقد بدأت السنة باشتباكات بين القوات الحكومية وتحالف مجموعات المعارضة المسلحة الذي كان قد تشكل في ديسمبر/كانون الأول 2020 وذلك قبيل الانتخابات التي أقرّت فوستان آرشانج تواديرا رئيساً للبلاد. وسرعان ما اجتاح العنف مختلف أرجاء البلاد واستمر طيلة العام. وكثيراً ما وجد المدنيون أنفسهم عالقين وسط القتال، حيث كانوا يتعرضون للإصابات ويُجبَرون على ترك بيوتهم ويُحرَمون من الرعاية الصحية. لكن في ظل حالة الطوارئ التي تعرفها البلاد وتؤثر أساساً في خدمات الرعاية، فقد أدى تفاقم غياب الأمن وتزايد حضور مجموعات أجنبية مسلحة إلى جعل مهمة أطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات الإنسانية في تأمين المساعدات صعبةً للغاية ولا سيما في المناطق الريفية النائية التي لا تزال الأوضاع فيها متقلبة.
وصحيحٌ أن الأوضاع العامة قد أثّرت في قدرتنا على توفير الرعاية، غير أن فرقنا استمرت في إدارة 13 مشروعاً تقدم خدمات الرعاية الصحية الأساسية والتخصصية وتركز على صحة الأم والطفل والجراحة والعنف الجنسي وعلاج المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية والسل إلى جانب عمليات الاستجابة لتفشي الأمراض. كما أشرفت فرقنا على إدارة عمليات الطوارئ وتوفير المساعدات للمتضررين بالنزاع، فعالجت ما مجموعه 390 جريح حرب في الفترة الممتدة من منتصف ديسمبر/كانون الأول 2020 حتى منتصف مارس/آذار 2021.
هذا وكان قد التجأ إلى منطقة بانغاسو التي تدعم فيها فرقنا المستشفى الجامعي العام أكثر من 1,000 شخص عقب هجمات نفذتها مجموعات مسلحة في يناير/كانون الثاني. كما فرّ 10,000 آخرون عابرين نهر مبومو ليصلوا إلى منطقة ندو في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث زادت المنظمة دعمها للمركز الصحي المحلي وركبت أنظمة لتنقية المياه.
ونزح في الشهر ذاته أيضاً 8,000 شخص عندما تحولت بلدتهم المكتظة سكانياً بُوار إلى ساحةٍ لقتال عنيف. وقد أمّنت فرق أطباء بلا حدود الرعاية الصحية الأساسية وخدمات المياه والصرف الصحي للناس الذين التجؤوا إلى كاتدرائية وخمسة مخيمات عشوائية مؤقتة.
كذلك لم يسلم العاملون الطبيون والإنسانيون من الأطراف المتحاربة. فقد شهدت فرقنا على تعرض عشرات المرافق الطبية للنهب والأضرار والاحتلال، في حين واجه المرضى العنف والاعتداءات الجسدية والتحقيق والاعتقال أثناء عمليات الاقتحام المسلح التي تعرضت لها المستشفيات. كما واجه العاملون الصحيون المجتمعيون المتواجدون في المناطق النائية تهديدات وتعرضوا للاعتداء.
وفي أوائل شهر يونيو/حزيران، احترق مخيم يقطنه حوالي 8,500 نازح يقع على أطراف بامباري عن بكرة أبيه ودُمِّر مركزٌ لعلاج الملاريا كانت المنظمة تديره في المخيم. كما قتل في اليوم التالي أحد مرافقي المرضى فيما جرح ثلاثة آخرون في هجومٍ تعرضت له دراجةٌ نارية تابعة لأطباء بلا حدود مهمّتُها إحالة المرضى الذين كانت تنقلهم إلى باتانغافو.
هذا وأدى تزايد الألغام الأرضية والعبوات الناسفة يدوية الصنع إلى عرقلة خدمات الرعاية الصحية بالنسبة إلى الطواقم والمرضى في مناطق على غرار بوكارانغا التي عمل فيها فريق طوارئ تابع للمنظمة في الربع الأخيرة من السنة، حيث ركز على تقديم الدعم لضحايا العنف الجنسي وإعطاء لقاحات الحصبة والخناق والكزاز وشلل الأطفال والحمى الصفراء والتهاب الكبد الفيروسي B نظراً لانخفاض معدلات التغطية باللقاحات، إضافةً إلى تأمين خدمات المياه والصرف الصحي.
كما كان مستشفى سيكا التابع للمنظمة والمتخصص في جراحة الإصابات البليغة في العاصمة بانغي يتلقى بشكل متكرر مرضى مُحالين من أقاليم أخرى وتستدعي إصاباتهم رعاية جراحية طارئة وطويلة الأمد، بما في ذلك العلاج الطبيعي ودعم الصحة النفسية.
الرعاية المجتمعية
تتركز معظم أنشطة أطباء بلا حدود في جمهورية إفريقيا الوسطى في المستشفيات، غير أن المنظمة بدأت في السنوات الأخيرة بتوسيع مشاريعها المجتمعية. إذ واصلنا خلال عام 2021 تدريب عمال الرعاية الصحية المتطوعين على تشخيص وعلاج المصابين ببعضٍ من أكثر الأمراض الشائعة كالملاريا والإسهال في نطاق المجتمعات التي يعيشون فيها، حيث تسلم منظمة أطباء بلا حدود هؤلاء العمال الأدوية كما تقدم لهم الدعم المالي والفني. وقد دعمت فرقنا هذه الشبكة من المتطوعين في كابو وباتانغافو كي ينفذوا أنشطة التحري المبكر عن الملاريا ويقدموا العلاج إلى المصابين في مراكز مخصصة لذلك.
كما طبقت المنظمة نموذج رعاية مجتمعي للمرضى الذين تستدعي حالتهم علاجاً طويل الأمد مثل العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية للمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. وفي مناطق مثل كارنوت وبوسانغوا وبوغويلا وبامباري وزيميو، يتناوب أفراد من مجموعات مرضى مجتمعية على تَسلّم أدوية المجموعة وبالتالي يقدمون الدعم لأقرانهم ويساعدون بعضهم بعضاً على الامتثال للعلاج. يشار إلى أن هذه المبادرة تمثل شريان حياةٍ للكثير من الناس خاصةً وأن جمهورية إفريقيا الوسطى تسجل واحداً من أعلى معدلات الإصابة بالفيروس في غرب ووسط إفريقيا لكن تشحّ فيها مضادات الفيروسات القهقرية اللازمة لعلاج المصابين.
خفض معدلات وفيات الأمومة وعلاج ضحايا العنف الجنسي
تتضمن أولويات أطباء بلا حدود في جمهورية إفريقيا الوسطى خدمات التخطيط الأسري ورعاية الأمومة والتوليد، خاصةً وأن البلاد تسجل واحداً من أعلى معدلات وفيات الأمومة في العالم، حيث لا تحظى النساء خارج المرافق التي تدعمها المنظمة إلا بالقليل من خدمات الرعاية المجانية وعالية الجودة أثناء الحمل والولادة. وقد حافظنا على خدمات رعاية الأمومة التي نقدمها في بانغي، كما عملنا طيلة العام على إعادة تأهيل وحدات طوارئ لرعاية التوليد والمواليد الجدد في واحد من مرافق الرعاية الصحية العامة الرئيسية في العاصمة.
من جانب آخر، يعتبر العنف الجنسي من المشاكل الصحية الرئيسية في البلاد. وصحيحٌ أن عدداً كبيراً من الاعتداءات الجنسية يرتبط بالنزاع المسلح، غير أن كثيراً منها يحدث على مستوى المجتمع. وقد عملت جميع مشاريع أطباء بلا حدود في البلاد تقريباً، بما فيها تلك القائمة في بانغي وباتانغافو وبانغاسو وبوسانغوا وبريا وكارنوت وكابو، على إدراج خدمات العلاج ودعم الصحة النفسية للناجين من العنف الجنسي في إطار خدماتها الطبية. كما تشرف طواقمنا في مشروع تونغولو الواقع في بانغي على برنامج متكامل للرعاية الطبية والنفسية، وهو برنامجٌ متاح للجميع وشامل كما يتضمن تعديلات خاصة تناسب الرجال والأطفال واليافعين.