Skip to main content
Internally displaced People form Taiz Enclave Yemen

إصابات الحرب ليست التحدي الطبي الوحيد الذي نواجهه كأطباء

الحرب في غزة: اطّلع على استجابتنا
اقرأ المزيد

سأبقى معجباً دائماً بقدرة الناس على التأقلم في هذا المكان. فعاملة التنظيف ربيعة على سبيل المثال تقوم بعملها اليومي والابتسامة لا تفارق وجهها، ومن المستحيل أن يظن المرء ولو للحظة واحدة أنها فقدت ثلاثة من أبنائها في الحرب، ويمكنك رؤية الملصقات الكبيرة في الشوارع التي تحمل صور وجوههم الوسيمة إلى جانب العديد ممن فقدوا حياتهم.

MSF Mother and Child hospital, Taiz  Yemen
طبيبة من أطباء بلا حدود بصدد الكشف على أحد الأطفال الذي يعاني صعوبة في التنفس
Malak Shaher/MSF

بالإضافة إلى كل ضحايا الأعيرة النارية، يعاني اليمن من أزمة رعاية صحية بدءاً بسوء التغذية وانتهاءً بالسكتات الدماغية، ولذلك سأغادر البلاد وقلبي مثقل بالهموم.

كانت الساعة تقارب منتصف الليل في أحد أيام شهر يناير/كانون الثاني الباردة الجميلة في اليمن، وكان المولد الكهربائي في المستشفى يهدر قرب نافذة غرفتي، ويطغى عليه صوت الرصاص للاحتفال حيناً ولأسباب أخرى في حين آخر، وهو أمر اعتدته تماماً خلال الأشهر الثلاثة الفائتة.

رنّ هاتفي وكان المتصل هو الطبيب المناوب يطلب المساندة بعد وصول عدة مصابين بأعيرة نارية إلى غرفة الطوارئ في مستشفى النصر العام في محافظة الضالع.

لم أتوتر كما كنت سابقاً، فمع أنني لم أعتد رؤية جرحى حرب عندما كنت في الهند، لكن هذا الأمر أصبح مشهداً يومياً بالنسبة لي وهذا يزيد خبرتي، لكن تلك الليلة كانت مختلفةً عن غيرها.

كانت العين اليسرى لأحد المصابين قد خرجت من مكانها بعد تلقيها رصاصة ولكنه كان يتحدث بهدوء، وكان الأمر برمته أشبه بمشهد من فيلم سينمائي. أما المصاب الآخر فكان يعاني من جروح في الرأس وكانت الجروح مفتوحة، بينما كان المريض الثالث مصاباً بعدة أعيرة نارية في البطن. قام فريقنا الطبي بمعالجة هؤلاء المرضى الثلاثة بهدوء وكفاءة. وبعد أن انتهينا أخبرني الطاقم بشيء من المزاح أن ما حدث اليوم كان أمراً يومياً بالنسبة لهم منتصف العام الفائت، حين كان خط القتال على أعتاب منازلهم.

سأبقى معجباً دائماً بقدرة الناس على التأقلم في هذا المكان. فعاملة التنظيف ربيعة على سبيل المثال تقوم بعملها اليومي والابتسامة لا تفارق وجهها، ومن المستحيل أن يظن المرء ولو للحظة واحدة أنها فقدت ثلاثة من أبنائها في الحرب، ويمكنك رؤية الملصقات الكبيرة في الشوارع التي تحمل صور وجوههم الوسيمة إلى جانب العديد ممن فقدوا حياتهم.

جروح الحرب ليست المسألة الطبية الوحيدة التي نحتاج إلى معالجتها، فاليمن اليوم يرزح تحت عبء ثقيل، يتجلى من جهة في سوء التغذية والأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، وفي الحالات المزمنة كأمراض القلب والسكتات الدماغية من جهة أخرى. أما مسائل الصحة النفسية فهي مهملة تماماً. والمحصلة هي أن الحرب والتضخم الخارج عن السيطرة جعلا الرعاية الصحية غير متوفرة أو عصية المنال على أجزاء كبيرة من السكان. 

وهناك أيضاً نقص حاد في الوقود والأغذية والكهرباء والمياه.

هناك أوقات يتحول فيها القانون الإنساني الدولي إلى مجرد كلمة بلا معنى. فالهجمات العشوائية المباشرة وغير المباشرة على المستشفيات والمدنيين تزيد الوضع تعقيداً، وتجعلنا نتساءل أحياناً إن كان ما نقوم به في اليمن يستحق العناء فعلاً. ولكن الإجابة كانت واضحة منذ البداية: إنه سؤال لم يكن علينا أن نسأله ونحن نعرف الحجم الهائل للاحتياجات الإنسانية. 

يواجه أطباء الحرب الكثير من لحظات الياس، فنحن نتوقع دائماً وصول الدفعة التالية من المصابين إلى المستشفى. إنها حربٌ منسيةٌ أخرى يتحمل فيها الأبرياء والعاجزون العواقب الأشد.

ولكن هناك لحظات من الانتصار والسعادة تجعل ما نسميه خيارنا المهني عملاً يستحق العناء، ومن هذه اللحظات مشاركة الطعام مع 200 رجل في منزل شيخ القبيلة، والعمل مع فريق رائع من اليمنيين الذين سخروا مني ومن محاولاتي تعلم اللغة العربية، والحديث عن الأفلام الهندية الكوميدية.

لن أنسى تلك الطفلة الصغيرة التي كانت تعاني من التهاب صدري حاد، وأمها التي كانت قد سلمت أمرها للموت. استخدمنا وقتها كل قوانا في الإقناع لكي تسمح لنا بمعالجة الطفلة لفترة أطول، وبعدها بأسبوع، خرجت الأم من المستشفى وهي تحمل طفلتها المرحة بين ذراعيها، وكانت ابتسامتها الخجولة هي الشكر الذي كنا ننتظره منها.

إنني أغادر اليمن اليوم وقلبي مثقل بالهموم. لقد كان العمل هناك من أصعب التحديات دون شك، حيث كانت الحاجة الماسة للرعاية الصحية تصطدم مباشرة بانعدام الأمن.

أصلي وأتمنى أن تنتهي هذه الحرب قريباً. وإذا كان ما أطلبه بعيد المنال، فأتمنى إلى ذلك الحين أن تصل المساعدات الإنسانية إلى كل محتاج في هذا البلد الساحر.

المقال التالي
اليمن
بيان صحفي 25 يناير/كانون الثاني 2016