في 15 أبريل/نيسان 2023، اندلع قتالٌ عنيف وغير متوقع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم، ما أدّى إلى دخول البلاد بأكملها في دوامةٍ من الفوضى في ظلّ انتشار العنف الذي أوقع عشرات آلاف الضحايا واجتث ملايين الناس من ديارهم.
وكانت فرقنا قد بدأت اعتبارًا من عام 2019، عقب عزل الرئيس الأسبق عمر البشير، بتوسيع أنشطتها الطبية في كافة أنحاء السودان وسط مرحلةٍ انتقاليّة متقلّبة حيث عملت في 11 ولاية. فقد تواجدت آنذاك الكثير من جيوب النازحين في البلاد إضافةً إلى اللاجئين من بلدان مجاورة. أما حين بدأت الحرب، فركّزنا أنشطتنا على تلبية احتياجات الأشخاص المتضررين.
واستقبل مستشفى الجنوب الذي تدعمه أطباء بلا حدود في الفاشر، في ولاية شمال دارفور، 136 جريحًا في أول 48 ساعة من القتال. واضطرت الفرق إلى علاج المرضى على الأرض وفي الممرات نظرًا لضيق مساحة المرفق الذي كان مركزًا صغيرًا لرعاية الأمومة في الأساس ولا يتضمن أية قدرات جراحية. لكنّنا عملنا على مدار الأسابيع التالية لتحويله إلى مستشفى يحوي غرفة عمليات وأخرى للطوارئ وقادر على التعامل مع حالات الإصابات الجماعية.
أمّا الخرطوم التي انطلقت منها شرارة الحرب، فقد شهدت معارك شوارع ضارية وقصفًا وضربات جوية. لذلك فقد فرّ منها من استطاع إلى ذلك سبيلًا، لكنّ الكثير من الناس ظلوا عالقين في بيوتهم بسبب شدة القتال. وسرعان ما خرجت الكثير من مستشفيات المدينة عن الخدمة واكتظت المرافق التي بقيت تعمل حتى تجاوزت طاقتها.
وكانت فرقنا التي تعيش في المدينة تستغلّ أيّة فترة هدوء لتتبرع بالإمدادات الطبية إلى المستشفيات وتقيّم المرافق التي يمكننا أن ندعمها. وكنّا قد أحضرنا بحلول أوائل مايو/أيار فريقًا جراحيًا كاملًا إلى مستشفى بشائر التعليمي. كما بدأنا نعمل بكامل طاقتنا في المستشفى التركي بحلول يونيو/حزيران، علمًا أن المستشفى كان في الأساس مركزًا صغيرًا لرعاية الأم والطفل لا يتضمن أية قدرات جراحية، وقد حوّلناه إلى مرفق قادر على التعاطي مع حالات الإصابات الجماعية.
بدأنا في الشهر ذاته دعم مستشفى النو في أم درمان لعلاج المرضى الذين يعانون من إصابات بأعيرة نارية وجروح طعن وشظايا ناتجة عن الانفجارات، إلى جانب علاج الإصابات الأخرى غير البليغة. وفي يوليو/تموز وأغسطس/آب، بدأت فرقنا تعمل في أجنحة طبّ الأطفال والأمومة في مستشفى أم ضوا بان في ولاية الخرطوم ومستشفى البان الجديد الذي يعتبر المستشفى الوحيد الذي يعمل في شرق ولاية الخرطوم.
وفي يونيو/حزيران، بدأنا العمل في ولاية النيل الأبيض. وقد استقبلت فرقنا العاملة في المخيمات المكتظة للاجئين والنازحين أعدادًا يومية فاقت طاقتها من حالات الحصبة المشتبه بها وحالات سوء التغذية بين الأطفال.
كانت منطقة دارفور الشاسعة مركزًا للعنف مرةً أخرى، كما حدث في مطلع العقد الأول من الألفية وأواسطه. ورغم الهدوء الذي عمّ شمال دارفور عقب أسابيع عديدة من القتال العنيف، إلا أن مجمع أطباء بلا حدود في نيالا، في جنوب دارفور، تعرّض للهجوم والنهب في مرحلة مبكرة من النزاع. أدى هذا إلى تعليق أنشطتنا في المدينة والمناطق المحيطة بها.
أما في غرب دارفور، فقد تعرض مستشفى الجنينة التعليمي الذي تدعمه أطباء بلا حدود للنهب ولحقت به أضرار كبيرة خلال أعمال العنف. وأمست المدينة خطيرةً لدرجةٍ حالت دون الوصول إليها لأشهر عديدة. وقد وقعت مجزرتان كبيرتان في غرب دارفور خلال العام، وتشير التقديرات إلى مقتل 10,000 إلى 15,000 شخص في الجنينة وحدها ضمن أعمال عنف إثنية.
وفي ظل استمرار تصاعد القتال في أنحاء البلاد، صارت أعمال نهب المرافق الصحية والهجمات على المرافق والطواقم الصحية من العناصر الشائعة التي يتسم بها هذا النزاع، علمًا أن منظمة الصحة العالمية وثّقت إجمالي 63 حادثة خلال العام، بينها الكثير من الحوادث التي طالت مرافق ومقار أطباء بلا حدود.
وصحيحٌ أن فرقَنا عملت جاهدةً لتعزيز جهود استجابتنا في السودان، إلا أنها واجهت عقبات لا تعدّ ولا تحصى. فقد تأخرت تأشيرات الفرق الطبية الدولية مرات عديدة. كما فرضت السلطات السودانية في سبتمبر/أيلول حظرًا على نقل الإمدادات الطبية والجراحية إلى الخرطوم بهدف منع جرحى قوات الدعم السريع من تلقي العلاج الذي من شأنه أن ينقذ حياتهم. كما حظرت السلطات سفر الطواقم الإنسانية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. وقد دفعتنا هذه القيود إلى سحب فريقنا الجراحي من مستشفى بشائر التعليمي.
لكن رغم هذه التحديات فقد واصلنا توفير المساعدات الطبية في روكيرو، في الجبال المحيطة بجبل مرة وكذلك في الكرينك. كما حافظنا على أنشطتنا الطبية طيلة العام في الكثير من ولايات شرق السودان، بما فيها النيل الأزرق، حيث عالجت فرقنا المصابين بسوء التغذية ودعمت عيادات متنقلة في الدمازين والمنطقة المحيطة بها.
وكانت قوات الدعم السريع قد استولت بحلول ديسمبر/كانون الأول على جميع المدن الرئيسية في دارفور باستثناء الفاشر، فتحوّل مستشفى الجنوب في المدينة إلى مركزٍ رئيسيّ لاستقبال الإحالات من كافة ولايات دارفور. وكنا وقتها قد استأنفنا دعمنا لمستشفى الجنينة التعليمي.
في بداية الحرب، فرّ مئات آلاف الناس جنوبًا والتجؤوا إلى ود مدني في ولاية الجزيرة هربًا من القتال الدائر في الخرطوم. فوفرت فرقنا بين مايو/أيار ونوفمبر/تشرين الثاني استشاراتٍ طبية في المرافق الصحية القائمة في المنطقة وكذلك في عيادات متنقلة، علمًا أن ما لا يقل عن 40 في المئة من المرضى كانوا أطفالًا. لكن قوات الدعم السريع سيطرت على الولاية في ديسمبر/كانون الأول ونزح ما يقدر بنحو 500,000 شخص مرة أخرى هربًا من العنف. وفي مسعى لتلبية احتياجاتهم، وسّعت المنظمة عملياتها القائمة في ولايتي القضارف وكسلا.
بلغ عدد النازحين في السودان قرابة ستة ملايين شخص بحلول نهاية 2023، في حين وصل عدد اللاجئين السودانيين في البلدان المجاورة إلى 1.4 مليون، علمًا أن نظام الرعاية الصحية قد شارف على الانهيار. وحتى اليوم لم يتم التوصل إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار وما زال القتال متواصلًا.