Skip to main content
MSF outreach team traveling by boat to a remote village
فريق أطباء بلا حدود يصل بالقارب إلى قرية نائية في مقاطعة أولانغ. جنوب السودان، في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
© Nasir Ghafoor/MSF

تصاعد انعدام الأمن يُجبر أطباء بلا حدود على إغلاق مستشفى أولانغ في جنوب السودان

فريق أطباء بلا حدود يصل بالقارب إلى قرية نائية في مقاطعة أولانغ. جنوب السودان، في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
© Nasir Ghafoor/MSF
  • بعد حادثتي عنف وقعتا هذا العام، اضطرت أطباء بلا حدود إلى إغلاق مستشفاها في مقاطعة أولانغ بجنوب السودان، وإنهاء دعمها لثلاثة عشر مرفقًا صحيًا مجتمعيًا.
  • نتيجة لذلك، تُرك 150,000 شخص من دون إمكانية كافية للوصول إلى الرعاية الصحية، حيث تُعد خدمات الأمومة التي نوفرها شريان حياة لا غنى عنه.
  • نُجدّد دعوتنا لجميع أطراف النزاع في جنوب السودان إلى احترام القانون الإنساني الدولي ووقف الهجمات العشوائية وضمان حماية المرافق الطبية والعاملين الصحيين والمرضى.

يعاني سكان المناطق النائية في ولاية أعالي النيل بجنوب السودان من صعوبة في الوصول الى الرعاية الصحية، بعدما اضطرت منظمة أطباء بلا حدود إلى إغلاق مستشفاها في مقاطعة أولانغ وإنهاء دعمها لثلاثة عشر مرفقًا للرعاية الصحية الأساسية المجتمعية، وذلك بسبب الهجمات المتكررة على القوارب الطبية والنهب المسلح للمرافق الصحية منذ بداية العام. ونتيجة لذلك، تُركت منطقة تفوق مساحتها 200 كيلومتر، وتمتد من الحدود الإثيوبية حتى بلدة ملكال، من دون أي مرفق فعال للرعاية الصحية المتخصصة. تدعو أطباء بلا حدود جميع الأطراف إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني ووضع حد للهجمات العشوائية وضمان حماية المرافق الطبية والعاملين الصحيين والمرضى.

منذ فبراير/شباط 2025، يشهد جنوب السودان أسوأ تصاعد للعنف منذ توقيع اتفاق السلام لعام 2018. فقد تصاعد القتال بين القوات الحكومية وميليشيات الشباب المسلحة في ولايات عدة، من بينها أعالي النيل وجونغلي والوحدة ووسط الاستوائية، مما أدى إلى نزوح جماعي وخسائر واسعة في صفوف المدنيين، إضافة إلى انهيار كامل للخدمات العامة التي تعاني من الهشاشة في الأساس. 

ورغم هذه الإغلاقات، تبقى أطباء بلا حدود ملتزمة بدعم احتياجات الرعاية الصحية للنازحين والفئات الأكثر حاجة في مقاطعتي أولانغ والناصر. في الوقت نفسه، يعمل فريق الطوارئ المتنقل على تقييم الاحتياجات، ويبقى على استعداد لتقديم خدمات الرعاية الصحية قصيرة الأجل حيثما تسمح الظروف الأمنية وتتأمّن إمكانيات الوصول. كما تواصل أطباء بلا حدود تقديم خدمات الرعاية الصحية في مشاريعها الأخرى بولاية أعالي النيل، بما في ذلك في مقاطعتي ملكال والرنك.

اتجاه متصاعد من العنف ضد الرعاية الصحية

في يناير/كانون الثاني 2025، تعرّض موظفو أطباء بلا حدود لهجوم على يد مسلحين مجهولين بالقرب من منطقة الناصر، حيث أطلقت النيران على قواربهم أثناء عودتهم من إيصال الإمدادات الطبية إلى مستشفى مقاطعة الناصر. وأجبر هذا الهجوم المنظمة على تعليق جميع أنشطتها الميدانية في مقاطعتي الناصر وأولانغ، والتي كانت تشمل الإحالات الطبية عن طريق القوارب عبر نهر السوباط، ما كان يتيح للنساء فرصة الولادة بأمان.

أنشطة أطباء بلا حدود في جنوب السودان
نيامر كووَك تحمل طفلتها المولودة حديثًا، كيتش بول، في قسم الأمومة بمستشفى أطباء بلا حدود في أولانغ. ولاية أعالي النيل، جنوب السودان، في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
Nasir Ghafoor/MSF

وفي أبريل/نيسان من العام نفسه، اقتحم مسلحون المستشفى في أولانغ، فهدّدوا الكوادر والمرضى ونهبوا المستشفى على نطاق واسع حتى أنه لم يبقَ لأطباء بلا حدود الموارد اللازمة لمواصلة العمليات بأمان وفعالية.

وفي هذا الصدد، يقول رئيس بعثة أطباء بلا حدود في جنوب السودان، زكريا مواتيا، "لقد أخذوا كل شيء: المعدات الطبية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وأسرّة المرضى والأفرشة من الأجنحة وما يكفي لتسعة أشهر من الإمدادات الطبية، بما في ذلك حمولة طائرتين من الأدوات الجراحية والأدوية التي وصلتنا قبل أسبوع فقط، أما ما لم يتمكنوا من حمله، فقد دمّروه".

وفي غضون شهر فقط، تعرض مستشفى آخر تابع لأطباء بلا حدود للقصف في أولد فانغاك، وهي بلدة في ولاية جونغلي المجاورة، ما أدى إلى توقفه عن العمل بالكامل. وهذا يمثّل جانبًا من الزيادة المقلقة في الهجمات على مرافق الرعاية الصحية في جنوب السودان.

المجتمعات المحلية كانت تعتمد على أطباء بلا حدود في رعاية ما قبل الولادة

تقول نيابوال جوك، وهي أم شابة من ضواحي مقاطعة أولانغ،"خلال حملي الثالث، قررت الذهاب إلى المستشفى قبل موعد ولادتي بوقت كافٍ، إذ كنت قد فقدت طفليَّ الأولين لأنني لم أتمكن من الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب". 

ونظرًا لأنها تعيش في قرية نائية بعيدة عن مستشفى أولانغ، تم نقل نيابوال إلى المستشفى بواسطة إحدى سيارات الإسعاف التابعة لأطباء بلا حدود. وتُعد أولانغ منطقة شاسعة معرّضة للفيضانات وتنتشر فيها قرى نائية يصعب الوصول إليها خاصة خلال موسم الأمطار. وقد أدارت أطباء بلا حدود خدمات نقل بالقوارب لضمان وصول الأمهات، مثل نيابوال، إلى الرعاية الصحية في الوقت المناسب.

وتضيف نيابوال، "من الصعب جدًا الوصول إلى الرعاية الصحية هنا. لو كان لدينا مستشفى أقرب خلال ولاداتي السابقة، فلربما كان أطفالي على قيد الحياة اليوم".

من الصعب جدًا الوصول إلى الرعاية الصحية هنا. لو كان لدينا مستشفى أقرب خلال ولاداتي السابقة، فلربما كان أطفالي على قيد الحياة اليوم. نيابوال جوك، أم شابة من ضواحي مقاطعة أولانغ

شاركت نيابوال قصتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أي قبل شهرين فقط من الهجوم على نفس القوارب التي ساعدتها على ولادة طفلها بأمان.

إغلاق المرافق يصنع فجوات يصعب سدها

أدى توقف خدمات الإحالة الطبية عبر القوارب، نتيجة للهجمات، إلى عواقب وخيمة على الناس الذين يعيشون في المناطق النائية. ففي مقاطعتي أولانغ والناصر، يضطر الناس إلى الانتظار لأيام وأحيانًا لأسابيع، للحصول على قارب ينقلهم إلى مستشفى أولانغ. وفي الحالات الطارئة، لم يكن أمامهم سوى المشي لأيام عبر مناطق موحلة، التي يعدّ عبورها سيرًا على الأقدام أشبه بالمستحيل، خاصة خلال موسم الأمطار.

تشارك قابلة أطباء بلا حدود في مستشفى أولانغ، فيرونيكا نياكوث، قصة مريضة كانت تعتني بها في جناح الولادة، "كانت في المخاض عندما تعرضت لمضاعفات الولادة وكان يجب أن تصل إلى المستشفى في أسرع وقت ممكن. في السابق، كانت فرق أطباء بلا حدود المتنقلة تستطيع اصطحابها بالقارب ولكن منذ انقطاع هذه الخدمة، اضطرت إلى الانتظار يومين حتى يتوفر قارب خاص، وعندما وصلت أخيرًا إلى مستشفى أولانغ، كان الأوان قد فات: لم يتمكن الفريق من سماع نبضات القلب من التوأمين اللذين كانت تحملهما في رحمها".
 

قرابة 150,000 شخص انقطعوا عن الرعاية

بعد إغلاق المستشفى وسحب الدعم للمرافق الصحية اللامركزية، بما في ذلك نقل المرضى، يواجه أكثر من 150,000 مريض، من بينهم أمهات مثل نيابوال، صعوبات متزايدة  في الوصول إلى الرعاية الصحية في مقاطعة أولانغ، وقد يواجه المزيد منهم المصير المأساوي نفسه الذي عاشته المريضة التي كانت تحت رعاية القابلة فيرونيكا. كما فقد أكثر من 800 مريض يعانون من أمراض مزمنة مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسل وغيرهم إمكانية الوصول إلى العلاج بسبب إغلاق خدمات أطباء بلا حدود في المنطقة.

نيابوال جوك، أم شابة من ضواحي مقاطعة أولانغ نحن بحاجة إلى مستشفى قريب يمكن أن يساعد الأمهات والأطفال. فبدونه، سيعاني الكثيرون ويفقدون حياتهم.
أنشطة أطباء بلا حدود في جنوب السودان
تجري نياپوال جوك استشارة طبية مع فيرونيكا نياكوث، المشرفة على القابلات في مستشفى أطباء بلا حدود في أولانغ. ولاية أعالي النيل، جنوب السودان، في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

ويعبّر نداء نيابوال عن واقع الكثيرين،"نحن بحاجة إلى مستشفى قريب يمكن أن يساعد الأمهات والأطفال. فبدونه، سيعاني الكثيرون ويفقدون حياتهم".

أطباء بلا حدود في أولانغ

منذ عام 2018، قدمت أطباء بلا حدود خدمات صحية حيوية في أولانغ بما في ذلك علاج الإصابات البليغة ورعاية الأمهات والأطفال. كما دعمت الفرق 13 مرفقًا لتقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية، وعلى مدى السنوات السبع الماضية، أجرت فرق أطباء بلا حدود أكثر من 139,730 استشارة لمرضى العيادات الخارجية، واستقبلت 19,350 مريضًا وعالجت 32,966 حالة ملاريا وساعدت في 2,685 ولادة، فضلًا عن خدمات أساسية أخرى. وخلال هذا الوقت، قدمت أطباء بلا حدود أيضًا الدعم لمستشفى مقاطعة الناصر واستجابت لحالات طوارئ عديدة وتفشي لأمراض في المنطقة. 

تعد قصة نيابوال، إلى جانب قصص الكثيرين غيرها، بمثابة تذكير صارخ بأن الرعاية الصحية هي حق أساسي ويجب ألا يستهدف أبدًا. فالهجمات على مرافق الرعاية الصحية هي أكثر من مجرد الضرر الذي يلحق بالمباني؛ بل تُمثل فقدانًا للأمل والأمان وخسارة فرصة لمستقبل أكثر صحة.

المقال التالي
جنوب السودان
أصوات من الميدان 25 أبريل/نيسان 2025