Skip to main content

مكافحة تفشي الأمراض المدارية

الحرب في غزة: اطّلع على استجابتنا
اقرأ المزيد

أصبح سكان جنوب السودان أكثر عرضة للمرض المداري القاتل المعروف باسم الكالازار (داء الليشمانيات الحشوي)، وذلك بسبب النزاع القائم في البلاد منذ أكثر من عام. ويزداد خطر الإصابة بالكالازار استفحالاً جراء نزوح السكان فراراً من القتال نحو المناطق التي تعرف انتشاراً لهذا المرض، وحيث يُضعف سوء التغذية قدرتهم على مكافحة العدوى. بالإضافة إلى ذلك، فإن إغلاق العديد من المرافق الصحية في مناطق النزاع، يجعل الحصول على العلاج أكثر صعوبة.

في العام الماضي، عالجت منظمة أطباء بلا حدود أكثر من 6,700 حالة من الكالازار في جنوب السودان، أي أكثر من ضعف عدد الحالات التي تم علاجها في السنة السابقة (تمت معالجة 2,714 حالة في 2013). كان أغلب الأشخاص الذين عولجوا في لانكيين، وهي عبارة عن مستوطنة تقع في منطقة جونقلي المتضررة من النزاع. وتشرف كايسي أوكونور على أنشطة المنظمة في لانكيين، وهي تحدثنا هنا عن سنة مليئة بالصعاب.

تقول كايسي: "تدير منظمة أطباء بلا حدود مستشفى وعيادة في لانكيين منذ ما يقرب من 20 عاماً، حيث توفر خدمات الرعاية الصحية الأولية والعلاج من الأمراض المدارية مثل الكالازار. وفي بداية سنة 2014، كان واضحاً أن كلا من العيادة الخارجية والمستشفى لم يعودا قادرين على استقبال العدد الكبير من جرحى الحرب. كما كنا نقدم خدمات الرعاية الصحية إلى عدد متزايد من الناس الذين نزحوا جراء النزاع ".

في ولاية جونقلي، نزح السكان من ديارهم بسبب القتال وانعدام الأمن، وقد انتقل الكثير منهم إلى غابات السنط حيث تتكاثر ذبابة الرمل المسؤولة عن نقل داء الكالازار. فالنوم في العراء، وغالباً دون ناموسية، يزيد من خطر العدوى.

معظم المرافق الصحية التي كانت تقدم الفحص والعلاج من الكالازار قبل اندلاع النزاع إما أغلقت أو أنها تصارع من أجل الحصول على الإمدادات الطبية، مما يزيد من صعوبة حصول المرضى على العلاج السريع. إن لهذا الوضع عواقب مميتة. ففي غياب العلاج، قد يصل معدل الوفيات بسبب هذا المرض إلى 100 في المئة في شرق أفريقيا.

وتضيف كايسي: "بدأت العيادة الخارجية تستقبل أعداد هائلة من المرضى في يونيو/حزيران مع ارتفاع أعداد المصابين بالكالازار قبل وقت طويل من موسم تفشيها الاعتيادي، وبأعداد لم تشهدها لانكيين قط. وما اعتبر في البدء مجرد استثناء، أصبح بعد وقت قصير تفشياً غير مسبوق للمرض، حيث عمل الموظفون الصحيون بكل جهد لاحتوائه عن طريق توظيف المزيد من المسعفين والعمل لساعات أطول وطلب المزيد من الأدوية لمواجهة ارتفاع تفشي المرض الذي يصل إلى ذروته عادة في شهر سبتمبر/أيلول."

يهاجم هذا المرض الكبد والطحال والنخاع وغيرها، كما يضعف الجهاز المناعي تاركاً المصابين عرضة لالتهابات خطيرة، مما يجعل علاجه أمراً معقداً. بالنسبة لمعظم المصابين، يدوم العلاج 17 يوماً ويتطلب حقنتين في اليوم. وفي الحالات الحادة، أو بالنسبة للحوامل أو المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، يستلزم العلاج الدخول إلى المستشفى وتلقي أدوية عن طريق الوريد لمدة خمسة أيام.

وتقول كيسي: "في بعض الأوقات هناك خمسة فرق حقن تقدم العلاج إلى 800 مريض يومياً، مقارنة مع 250 مريضاً حالياً. زد على ذلك أن الجميع يكره هذا العلاج، فهو يتطلب حقناً غائرة ومؤلمة في عضلات المؤخرة. ويتكرر هذا الألم لمدة 17 يوماً، إذ يمكنك سماع صراخ الأطفال من آلام الحقن طيلة اليوم".

خلال السنة الماضية في لانكيين، عالجت أطباء بلا حدود 4,611 مصاباً بالكلازار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف عدد المعالجين سنة 2013 (1346 مريضاً). ويعني ذلك أن في الفترة ما بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول 2014، استفاد ما يقرب من 2,000 مريض من العلاج، وهو ما يمثل أسوء تفشي للمرض في لانكيين منذ بدء الإحصاءات سنة 1999. وقد عرف انتشار المرض تراجعاً منذ ذلك الحين، حيث انخفضت أعداد المصابين في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول وبدأت بالاستقرار، لكن الخطر يبقى قائماً.

وتضيف كايسي: "هناك نقص حاد في أدوية العلاج على المستوى العالمي. حيث تتطلب صناعة بعضها ستة أشهر، كما أن الأعداد المتوفرة من هذه الأدوية لا تستطيع تلبية الاحتياجات في أنحاء العالم كافة بسبب وجود مصنع واحد لها فقط. ومن ثم فإن أي انقطاع في الإمدادات يعني توقف العلاج، وهو ما يتطلب بدوره إعادة تلقي الحقن المؤلمة مجدداً. وإن الحصول على العلاج المبكر والكافي يمثل الفرق بين الموت المؤكد والتعافي من المرض، مع احتمال ضعف المناعة ضده مدى الحياة".

قصة موسى

"هربتُ مع زوجتي وأطفالي السبعة بسبب الهجوم على القناة. تركنا كل شيء خلفنا وسرنا على الأقدام لمدة أسبوع كامل. حتى حينها لم أكن على ما يرام. كان طفلي الثامن قد توفي من الكالازار في فبراير/شباط. وخلال ساعات النهار، كنت أستطيع أن أمشي وأن أحمل أطفالي، ولكن عند مجيء الليل أعاني من حمى شديدة وأحتاج لبعض الراحة. وصلنا إلى مكان به الكثير من النازحين الآخرين. كنت أعرف أنني مصاب بالكالازار، لأن ابني قد توفي بسببها من قبل، وأن منظمة أطباء بلا حدود توجد في لانكيين. اضطررنا أن نترك خمسة من أطفالنا مع بعض معارفنا لنتمكن من الوصول إلى المستشفى في لانكيين. سرنا لمدة أربعة أيام أخرى للوصول إلى لانكيين. أتلقى العلاج منذ 12 يوماً. وبمجرد إتمام العلاج واستعادة قوتي سنتوجه لاستعادة أطفالنا والتوجه إلى أكوبو حيث يعيش والدي. آمل أن ننعم هناك بالسلام، وأن نحصل على توكول وبعض الطعام للأطفال''. موسى من خورفولوس (ديسمبر/كانون الأول 2014).

شهادات من المرضى

"لدي سبعة أطفال بينهم أربعة مصابون بالكالازار. وقد توفي واحد منهم. لقد وصلت إلى العيادة منذ يونيو/حزيران. فررت من ملكال عندما اندلع النزاع في ديسمبر/كانون الأول الماضي وتوجهت إلى مقاطعة أورور حيث لدي بعض الأقارب. أخاف أن يكون أطفالي قد أصيبوا بالمرض، فأحدهم ما زال يعاني من الكالازار وهو في حالة خطيرة جداً"- امرأة (30 سنة) نازحة من ملكال (نوفمبر/تشرين الثاني 2014)

"ما يحدث ليس من العدل في شيء. القتال على أشده والأمراض متفشية. يعاني ابني من الكالازار. هربت من شويل في مايو/أيار وأقمت في قرية قرب لانكيين حيث يعيش بعض أقاربي. ليس لدي ما أفترشه ولا ما أطبخه، فأضطر أن أتسول الطعام من أقربائنا في كل وقت". – امرأة (36 سنة) من لانكيين، (نوفمبر/تشرين الثاني 2014)

"في يناير/كانون الثاني، تمكنت من الفرار مع ابني وزوجي من القتال الدائر في بور. جئنا مع مجموعة كبيرة من الناس. ابني مصاب بالكالازار، لذلك مكثنا هنا في المستشفى لمدة ثلاثة أشهر. وبمجرد شفائه آمل أن نتمكن من العودة إلى والدي قرب يولي". امرأة (19 سنة) نزحت من بور في مقاطعة نيريول (نوفمبر/تشرين الثاني 2014)

في ولاية جونقلي، تقدم المنظمة علاج الكالازار في لانكيين وشويل ويواي. وفي ولاية أعالي النيل المجاورة، تقدم الفرق خدمات الاستجابة في كل من ملكال وملوط. وعالجت أطباء بلا حدود خلال عام 2014 ما مجموعه 6,754 مصاباً بالكالازار في جنوب السودان مقارنة مع 2,714 حالة سنة 2013.