Skip to main content
Mental Health Session 2

الصحة النفسية تزرع بذور الأمل

الحرب في غزة: اطّلع على استجابتنا
اقرأ المزيد

الاختصاصية النفسية الأردنية أمل بني خلف التي تعمل مع منظّمة أطبّاء بلا حدود منذ العام 2014، تفيدنا بصورة حول عملها الحاليّ في مشروع المنظّمة للأمراض غير السارية في إربد في الأردن.

بينما يتهاوى جسمها على الكرسي أمامي، مُنهكةً وعاجزةً، يسقط قناعها ليكشف عن حزن عميق. كم من دمعة ذرفت عيناها يا ترى؟ سؤال يجول في خاطري.

نحيلة وسمراء في بداية سن الأربعين وملتحفة بالسواد (كحال جميع نساء محافظة درعا في جنوب سوريا)، تبدو وكأنّها تجاوزت سن الستين. وقالت لي، بعد تنهيدة طويلة مثقلة بالألم والهموم: "أخبرني طبيبي هنا أنّك تقدّمين جلسات دعم نفسي فردية وسرية..."

فأخبرتها أن ما تقوله صحيح وشرحت لها بالتفصيل عن الدعم النفسي الذي تقدّمه منظّمة أطبّاء بلا حدود إلى جانب الخدمات الطبيّة الأخرى في عيادة الأمراض غير السارية في إربد.

هذه السيدة هي واحدة من لاجئين سوريين كثر نراهم يعانون من مشاكل نفسية بالإضافة إلى الأمراض المزمنة. حياة النزوح مؤلمة، وتزداد إيلامًا بالنسبة إلى الذين فقدوا أطفالًا في الحرب.

وتشمل خدمات الصحة النفسية التي نقدّمها في إطار برنامج الأمراض غير السارية في إربد الجلسات الاستشارية الفردية والجماعية الرامية إلى توفير الدعم النفسي على أعلى مستوى، في بيئة ملؤها الخصوصية والسرية.

خلال الجلسات الأخيرة، لاحظت تغييرًا كبيرًا عليهم. استطعت رؤية الأمل في عيونهم. أمل بني خلف، اختصاصية نفسية

ونضع خلال هذه الجلسات خطط علاج مع المريض ونتعامل مع الأعراض مثل القلق والكآبة واضطراب ما بعد الصدمة أو العنف القائم على أساس الجنس وأي مواقف صعبة أخرى يواجهها.

وبالإضافة إلى ذلك، يتواصل الطاقم مع المنظّمات الأخرى التي يسعها تقديم أشكال أخرى من الدعم أو العلاج النفسي لمرضانا.

وأنهينا مؤخرًا الدورة الأولى من الجلسات الاستشارية الجماعية للمرضى الذين يعانون من أعراض الاكتئاب. وتوجّب عليّ في الجلسة السابعة أن أحضّر أفراد المجموعة "للتخرّج"، وستشكّل جلستهم المقبلة الجلسة الأخيرة لهم.

ما زلت أذكر كيف كانوا في الجلسة الأولى: شاحبين وخائري القوى وعيونهم مليئة بالدموع وقلوبهم أثقلها الحزن. تكبّد الكثير منهم خسائر فادحة في سوريا ونجوا من أعمال العنف واستمروا بإعالة عائلاتهم في إربد بينما يعانون من الفقر والوحدة ويصارعون الذكريات المؤلمة.

ولكن خلال هذه الجلسات الأخيرة، لاحظت تغييرًا كبيرًا عليهم. استطعت رؤية الأمل في عيونهم. رأيت الإيجابية في نفوسهم أو شعرت بأنّهم أصبحوا على الأقل قادرين على التعبير عن المشاعر السلبية والتعامل معها بكل إيجابية. أنشد أحد المشاركين أغنية حب وحماسة بينما ابتسم آخر لحكايات عن الفترات الصباحية الجميلة برفقة العائلة.

واقترح أحدهم الذهاب إلى حديقةٍ قريبةٍ بعد انتهاء الجلسات لتناول الغداء في حين سأل أحدهم باللغة الإنكليزية مديري أثناء الاستراحة عن أفضل المدن الكندية للاجئين من حيث تكلفة المعيشة.

وكوّن أفراد المجموعة على مر الجلسات علاقات وطيدة ليصبحوا عائلةً واحدة تجتمع، بالرغم من الالتزامات العائلية الأخرى والصعوبات في التنقل، كل نهار أربعاء طوال شهر ونصف وينصت أفرادها إلى قصص بعضهم البعض ويدعمون بعضهم ويتشاركون مخاوفهم.

وبصفتي مستشارة في المجموعة، تمثّل دوري في تقديم أنشطة داعمة ومناسبة سمحت لكل واحد من المشاركين بالتعبير عن مشاعره في جو دافئ وآمن، وفي تثقيفهم أحيانًا واقتراح بعض الواجبات المنزلية البسيطة لتحسين العمل الذي أنجزناه معًا ودعم تقدّمهم المُحرز.

وعندما أغلقنا المجموعة، كان واضحًا أنّهم سيبقون عائلة مترابطة.

نحاول من خلال هذه المجموعات تقديم الدعم المختص إلى المرضى من كافة الأعمار وفي جميع الحالات. نساعدهم على مسح الدموع ونزرع بذور الأمل في داخلهم من أجل مستقبل أفضل.

هكذا نعمل نحن، طاقم الصحة النفسية في عيادة منظّمة أطبّاء بلا حدود في إربد، لإنقاذ حياة الناس وتحسين حياة مرضانا.

المقال التالي
الأردن
أصوات من الميدان 17 اكتوبر/تشرين الأول 2018